الحضرة الملكية وعالم التأثير : في الحضرة المحمدية – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

الحَضرَةُ المَلَكِيَّةُ وَعَالَمُ التَّأثِيرِ : في الحَضرَةِ المُحَمَّدِيَّةِ

في هذِه الحَضرةِ رَفعَ اللهُ تعَالى أسبَابَ الظاهِرِ عَنْ حَقائقِ التَّأثِيرِ، ولِهذَا كَانَت العَقيدةُ السَّماوِيَّةُ الخَالِدةُ الإسلامِيَّةُ نَقِيَّةً دونَ أيِّ شُبهَةٍ مِمَّا طرَأَ على الأممِ السَّابقةِ، فَفِي الإسرَاءِ والمِعرَاجِ النَّبوِيِّ وعندَما وَصَلَ الأعظمُ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ والسَّيدُ جِبريلُ عليهِ السَّلامُ عِندَ السِّدرةِ تَوقَّفَ السَّيدُ جِبريلُ عليهِ السَّلامُ، وأكَّدَ لِرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآله وسَلَّمَ أنَّه لا يَستطِيعُ المُتابَعةَ مَعهُ، فَهذَا هوَ حَدُّهُ، وأكَّدَ له أنَّه لَو تَقدَّمَ أكثرَ لَاحتَرَقَ كمَا جاءَ في الحديثِ الشَّريفِ .

وهنا نُقاطٌ :

1- أنَّكَ يَا أيُّها النَّبيُّ الجليلُ عليكَ سَلامُ اللهِ وصَلاتُه سَتَستمِرُّ وَحدَك إلى رَبِّكَ، حيثُ لا مَلَكٌ ولا أَحَدٌ إلَّا أنتَ وهوَ .

2- هذَا المَخلوقُ الرَّائعُ الذِي ظهرَ في الظاهرِ عَنه أثَرُ الحَياةِ في الحَضرَتينِ السَّابِقتينِ المُوسَوِيَّةِ والعِيسوِيَّةِ يُقرِّرُ أنَّه حَامِلٌ مُؤثَّرٌ فيهِ، ودَليلُ ذلكَ أنَّه لَو تَجاوزَ حَدَّ مَا أُمِرَ الوقوفَ عندَه لأثَّرَت فيهِ الحَقيقةُ العُليا المُؤثِّرَةُ فَأحرَقَتهُ، وفي ذلكَ المَكانِ عندَ السِّدرةِ في طَرفِ الكَونِ لَمْ يَكُنْ فَوقَه في التَّأثِيرِ إلَّا اللهُ تعَالى وَحدَه .

وبِذلكَ رُفِعَت كُلُّ صُورِ الظاهِرِ التِي ظهرَت مِنْ خِلالِها القُدرةُ المُؤثِّرَةُ، وَلَمْ يَبقَى إلَّا حَقيقةُ التَّأثِيرِ الذاتِيِّ، وهيَ أنَّها مِنَ المُؤثِّرِ الحَقِّ، والذِي لا مُؤثِّرَ غَيرَه وهوَ اللهُ تعَالى .

ومِنْ خِلالِ هذَا التَّسلسُلِ في الحَضراتِ نَستَخلِصُ عِبرةً إنتربُولُوجيَّةً تُوضِّحُ أنَّ اللهَ سُبحانه وتعَالى أثبَتَ في الحَضرَتينِ السَّابِقتينِ صُورةَ الظاهرِ مَعَ بَقاءِ حَقيقةِ المُؤثِّريَّةِ لَه سُبحانَه وتعَالى، وفي الحَضرةِ المُحمَّدِيَّةِ زَادَ على سَابِقَتِيها بِرَفعِ الصُّورةِ الظاهِرةِ لِتَبقَى السُّورَةُ البَاطِنةُ لِحَقيقةِ المُؤثِّريَّةِ لَه سُبحانه وتعَالى .

فَكانَت الخُلاصَةُ الإنتربُولوجيَا مَا يَلي :

أولاً : إثبَاتُ صُورٍ ظاهرةٍ يَظهرُ مِنها التَّأثِيرُ في الحَضرَاتِ الثَّلاثِ .

ثانياً : حَقيقةُ المُؤثِّرِ الحَقِّ، وهوَ اللهُ تعَالى وهوَ مِنْ وَرائِهم مُحيطٌ، وذلكَ بِالتَّضمِينِ في الحَضرَتينِ المُوسَوِيَّةِ والعِيسَوِيَّةِ وبِالتَّصريحِ والتَّضمِينِ في المُحمَّدِيَّةِ .

ومِنْ أوَّلاً وثانياً نَجِدُ أنَّ المُؤثِّرَ سُبحانه وتعَالى على الدَّوامِ هوَ اللهُ تعَالى مَعَ إثبَاتِ الأسبَابِ مَعَ المُلاحَظةِ الدَّقِيقةِ والتَّنزِيهِ الكَاملِ في أنَّ الأسبابَ لا تُشارِكُه في التَّأثِيرِ؛ بَل هوَ المُؤثِّرُ فَقط، وَمَنِ اعتَقدَ غيرَ ذلكَ فَقد أشرَكَ بِالمُؤثِّرِ سُبحانَه وتعَالى مُؤثِّرَاً آخرَ، هوَ مُجرَّدُ سَببٍ ظاهرٍ لا حَقيقةَ لَه، والشِّركُ ظُلمٌ عَظيمٌ، وقَد قالَ اللهُ تعَالى : { وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } الصافات96 .

فَهوَ خَلقَ كُلَّ مَخلوقٍ مَلَكِيٍّ وبَشريٍّ وغيرِه مِمَّا يَظهرُ مِنه التَّأثيرُ ظاهِراً، وهوَ خَالِقُه سُبحانه وتعَالى فَهوَ المُؤثِّرُ فيهِ أبداً وَبِمَا تَعلمونَ مِنْ كُلِّ المَعلوماتِ المَخلوقةِ، فَوَحِّدُوه على الحقيقةِ بِإثباتِ الأسبَابِ ونَفْيِّ التَّأثيرِ عنهَا، ونَسْبِ التَّأثِيرِ إلى اللهِ المُؤثِّرِ وَحدَه سُبحانه وتعَالى، الذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلداً، ولَمْ يَكُنْ لَه شَريكٌ في المُلكِ، ولَمْ يَكُنْ لَه وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وكَبِّرْه تَكبِيرَاً .

 


( من كتاب علم الإنتربُولوجيَا للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب  ) .


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى